الأربعاء، 11 أغسطس 2010

محمود درويش - على هذه الأرض ما يستحق الحياة

تردد أبريل
رائحة الخبز في الفجر
آراء امرأة في الرجال
كتابات اسخيليوس
أول الحب
عشب على حجر
أمهات تقفن على خيط ناي
وخوف الغزاة من الذكريات


على هذه الأرض ما يستحق الحياة
نهاية أيلول
سيدة تدخل الأربعين بكامل مشمشها
ساعة الشمس في السجن
غيم يقلد سرباً من الكائنات
هتافات شعب لمن يصعدون إلى حتفهم باسمين
وخوف الطغاة من الأغنيات

على هذه الأرض ما يستحق الحياة
على هذه الأرض سيدة الارض
أم البدايات
أم النهايات
كانت تسمى فلسطين
صارت تسمى فلسطين
سيدتي أستحق لأنك سيدتي
أستحق الحياة


الخميس، 5 أغسطس 2010

Quote of the day

“Beneath this mask there is more than flesh. Beneath this mask there is an idea,
Mr. Creedy, and ideas are bulletproof.”

From V for Vendetta movie (2005):

[after a hail of gunfire doesn't stop V]
Creedy: Die! Die! Why won't you die?... Why won't you die?
V: Beneath this mask there is more than flesh. Beneath this mask there is an idea, Mr. Creedy, and ideas are bulletproof.

الثلاثاء، 3 أغسطس 2010

سلاح الردع العربي

مقالة تستحق القراءة بعنوان "ليلة سقوط بغداد: لمن تدق الأجراس؟ " للدكتور أحمد يوسف أحمد نشرت في صحيفة الاتحاد في قراءة رائعة للفيلم المصري العربي ليلة سقوط بغداد.. الفيلم يتناول فكرة مدير مدرسة يحاول تطوير سلاح ردع عربي لحماية مصر من تكرار تجربة العراق.. وأرفق مع المقالة مشهد من الفيلم يظهر مدير المردسة مع أصدقاءه بالقهوة بمشهد أقل ما يقال عنه مضحك مبكي عندما يقول له صديقه "انت فاكر يوم ما قطعت الكهربا عن مصر كلها.. يوميها كانو محتاجين كهربة مصر كلها عشان يخصبو اليورانيوم!!" ويقول الاخر مصوما بالتشكيك بوجود سلاح الردع من صاحبنا "احنا لو ما عناش (سلاح ردع) كنت حتلاقي حمى بالتفكير والابداع والانتاج انما الهدوء والامبالاة الي احنا فيها دي بتاعة ناس اكيد عندها سلاح ردع!!" اكيد يا صديقي اكيد.. ومن يصنعه وقد نخرنا االفساد من الوريد الى الوريد..
واسفاه.. أترككم مع المقالة
يقول الدكتور أحمد: "عندما كنا نعمل في إعداد كتاب ''صناعة الكراهية في العلاقات العربية- الأميركية'' سألنا الأستاذ الناقد الأدبي الدكتور عبدالعزيز حمودة أن يساهم في الكتاب بدراسة عن العلاقات الثقافية العربية-الأميركية، فاستجاب مشكوراً وجاءت دراسته مزيجاً رائعاً من الثقافة والسياسة·

كانت فكرته الأساسية أن العرب قد انبهروا في البداية بالنموذج الأميركي في شموله، ثم جاءت لحظة ''فقدان البراءة'' -كما أسماها- عندما اكتشفوا تناقض السياسة الأميركية مع مصالحهم واتخاذها مواقف عدائية تجاه مطالبهم، لكنهم مع ذلك أبقوا انبهارهم بنموذج الحياة الأميركية، وإن حذر في خلاصة دراسته من أن النهج السياسي الأميركي الراهن تجاه الوطن العربي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ينذر بعبور العرب للفجوة بين رفضهم للسياسة الأميركية واستمرار انبهارهم بنموذج الحياة الأميركية بما يعني أن العداء قد يشمل الأمرين معاً· كتب حمودة دراسته قبل العدوان الأميركي على العراق وتداعياته، وبدا تدريجياً أنها مثلت نوعاً من النبوءة العلمية الصادقة كما اتضح من تطور المشاعر العربية تجاه الولايات المتحدة بعد احتلال العراق·
اتصالاً بهذا المعنى شهدت الساحة الفنية المصرية عديداً من الأعمال التي تتحدث عن الهيمنة الأميركية أو زيف الانبهار بالحلم الأميركي كمسرحية ''ماما أميركا'' أو فيلم ''أميركا شيكا بيكا'' أو مسرحية ''اللعب في الدماغ''، ومن المؤكد أن الساحة العربية على اتساعها قد شهدت أعمالاً مماثلة· في هذا السياق يأتي فيلم ''ليلة سقوط بغداد'' مع اقتراب الذكرى الثالثة للعدوان على العراق واحتلاله ليعبر عن موقف ممتد لعناصر مهمة من النخبة الفكرية والفنية في مصر والوطن العربي تجاه مسألة الهيمنة الأميركية، ويجسد ''فانتازيا'' تجمع بين منتهى الكوميديا وذروة الجدية في الوقت نفسه على النحو الذي وضع سقفاً من الانكسار والألم والمرارة والإحباط للإحساس بالمواقف الكوميدية في الفيلم، ولست بسبيل الحديث عن ''ليلة سقوط بغداد'' كناقد فني بطبيعة الحال غير أن إمعان النظر فيما حمله الفيلم من أفكار وما تضمنه من رسائل تحذير يبدو بالغ الأهمية في الظروف الراهنة التي تمر بها الأمة العربية·
يترجم الفيلم مفهوم الأمن القومي العربي من منظور إنساني بسيط يبدأ بحالة الوجوم والإحباط والحزن التي تسيطر على مجموعة من الشعب المصري المنتمين اجتماعياً إلى الطبقة الوسطى وما دونها عندما يستمع هؤلاء إلى أنباء الهجوم الأميركي على العراق وصولاً إلى سقوط بغداد· ثم يثور التساؤل لاحقاً: ألا يمكن أن يحدث هذا لنا؟ وهو الهاجس نفسه الذي سجله جمال عبدالناصر في كتيبه الشهير ''فلسفة الثورة'' الذي صدر في النصف الأول من خمسينيات القرن الماضي عندما علق بتلقائية كضابط مقاتل في فلسطين على ما ألمَّ بشعبها قائلاً: ''قد يحدث هذا لابنتي''· ومنذ لحظة طرح السؤال يبدأ بطل الفيلم في التعرض لكابوس ليلي تقتحم فيه قوات المارينز منزله، ويتطور الكابوس لاحقاً مع اتساع نطاق التهديدات الأميركية لسوريا وإيران وغيرهما وانكشاف الممارسات اللاإنسانية لقوات الاحتلال في العراق بحيث يتضمن -أي الكابوس- اعتقاله وأفراد أسرته وتعرض ابنته لما تعرضت له فتيات ونسوة عراقيات·
يكشف الفيلم في بلاغة عن عقم المواجهات اللفظية للخطر، فعندما يتظاهر طلاب المدرسة التي يعمل بطل الفيلم ناظراً لها ويطلبون رفع لافتات تندد بالعدوان على العراق يطلب منهم صاحبنا أن يفتحوا القوس ويضيفوا اسم العراق بعد أفغانستان، وعندما يصل التهديد إلى سوريا وإيران يفعل الأمر نفسه، ثم يطلب منهم ألا يقفلوا القوس بعد ذلك انتظاراً لما سيجيء·
ويتساءل صاحبنا ويحاور أصدقاءه: هل نملك سلاحاً رادعاً يحمينا من مصير مماثل؟ ليكتشف الجميع بعد سباحة قصيرة في بحر الأوهام أن الإجابة هي النفي بالتأكيد، ومن هنا تمضي الفانتازيا لتكشف لنا تبديد مقومات الأمن القومي عندما يبدأ صاحبنا في البحث عن عالم يمكنه أن يتوصل إلى أسرار سلاح يردع المعتدين، فيقع اختياره على أحد طلبته السابقين الذي اشتهر بنبوغه العلمي· يعرف أنه واصل تفوقه في كلية العلوم إلى أن تخرج منها فيبدأ رحلة للبحث عنه ليعرض عليه مشروعه، فيجده غارقاً مع غيره من الشباب -من بينهم طلبة من مدرسة صاحبنا- في سحب من دخان المخدرات· مع ذلك فإن صاحبنا يتمكن في النهاية من إقناع الباحث الشاب بمشروعه: أن يرصد كل ما يملكه من موارد لتمويل بحث علمي يهدف إلى إنتاج سلاح ردع يحمي الوطن من الخطر· ولا يكتفي صاحبنا بهذا بل يحيل -مع تعثر محاولات التوصل إلى هذا السلاح- مأوى السيارات في البناية التي يسكن بها إلى ساحة لتدريب أسرته ثم جيرانه على أسلحة متنوعة تحسباً للغزو الأميركي القادم·
الدولة غائبة تماماً في ''ليلة سقوط بغداد''، هي غائبة من منظور الإنجاز لأن أهم إنجازاتها من وجهة نظر الفيلم هو هدف التعادل الذي أحرزه الفريق المصري في مرمى هولندا في نهائيات كأس العالم في عقد التسعينيات من القرن الماضي، وموقفها غير واضح من العدوان على العراق واحتلاله والمخاطر المترتبة على ذلك، وعندما يبحث الأهالي عن الحماية لا يلجأون إليها وإنما يمول أحدهم مشروعاً للبحث العلمي يسعى إلى التوصل لإنتاج سلاح ردع يحمي من الخطر القادم، وعندما يتعثر الباحث يبشرهم صاحبنا بأن البديل الوحيد أمامهم هو الركوع للأميركيين والتوسل إليهم بأن يفعلوا فيهم ما فعلوه بالعراقيين والعراقيات، وعندما ينجح الباحث في التوصل إلى الأساس العلمي لإنتاج السلاح المطلوب لا يجد من يتبناه بما في ذلك مؤسسات التصنيع العسكري التي تفرغت لإنتاج أجهزة التليفزيون، وعندما يتم اللجوء إلى أحد رجال الأعمال المعروفين برعايتهم للمواهب يتضح أنه لا يرعى إلا الفنانين والرياضيين، ويقترح بالمقابل على باحثنا الشاب أن يسخر جهوده في مشروع يتعلق ''بنغمات'' الهواتف النقالة في إشارة ذكية إلى أن رجال الأعمال لا يملكون بحكم تركيبتهم ومصالحهم مفتاح الخلاص، والدولة غائبة أيضاً عندما يشتري صاحبنا الأسلحة ويحول مأوى السيارات في منزله إلى ترسانة مسلحة وساحة للتدريب على المقاومة، والمدرب رجل مقاومة شعبية سابق يوصف تجاوزاً باللواء، وهي غائبة عندما تكتشف المخابرات المركزية الأميركية جهود صاحبنا وتقرر مواجهته مباشرة، وهي تابعة عندما يخفق رجلا المخابرات المركزية في إقناع صاحبنا والباحث الذي يرعاه بالتعاون، وكذلك يخفقان في تخويفهما خاصة بعد أن تمكن الأخير من إنتاج نموذج للسلاح المطلوب فيهددانهما بإيداعهما في مستشفى للأمراض العقلية لكي نكتشف في اللقطة التالية مباشرة أن الوعيد قد نفذ من فوره وأن سنين قد مرت على تنفيذه· ينتهي الفيلم بتحول الكابوس إلى حقيقة ودخول قوات المارينز إلى أرض الوطن، ويهرع لاستقبالها من كان يرحب طيلة الفيلم بغزو العراق ويتمنى المصير نفسه لوطنه حتى يأتي الأميركان ''لتنظيفنا'' فيكون أول من يسقط برصاص المارينز في إشارة رمزية ذكية لعقم الفكرة ومصير العملاء في آن واحد· يتجمع الأهالي في الساحة التي يغطيها سلاح الردع الدفاعي الذي توصل إليه باحثنا الشاب في مشهد يذكرنا برائعة جمال الغيطاني ''ذكر ما جرى'' عندما تجمع الصامدون دفاعاً عما بقي من وطنهم في مواجهة هجمة الانفتاح والخصخصة التي لا تخلو بطبيعة الحال من أبعاد تتعلق بالهيمنة العالمية·
ينجح السلاح في المواجهة ويشتعل حماس الأهالي ويتساءل صاحبنا: ماذا كان ليحدث لو لم نملك مثل هذا السلاح؟ ويجيب كان الوضع سيكون غير الوضع، وذلك في رسالة تحذير واضحة من انكشافنا التام في مواجهة الخطر الخارجي·
لا تعامل هذه الأعمال الفنية كبحث علمي أو وثيقة استراتيجية للمواجهة، ولكنها تُقيم بما تثيره من أفكار وما تبعث به من رسائل، وأحسب أن فيلم ''ليلة سقوط بغداد'' ينبهنا إلى أفكار محورية يحاول البعض أن ينساها أو يتناساها، ويبعث بإشارات تحذير في كل الاتجاهات حول تفاقم التهديدات الخارجية وغياب مقومات مواجهتها ناهيك عن غياب استراتيجية سليمة لهذه المواجهة· ومن الأهمية بمكان أن رسائل التحذير هذه قد حملتها مجموعة من شباب النخبة الفنية في مصر بما يبعث على اطمئنان نسبي مرده أن محاولات محو الهوية وكسر إرادة المقاومة في أوساط شبابنا لم تفلح في الوصول إلى غاياتها حتى الآن· لقد تحدث الباحث الشاب عندما وُجه اللوم إليه لتعثره في التوصل إلى المطلوب منه عن الفجوة الهائلة المتزايدة بيننا وبين العالم المتقدم، ووجه اللوم بدوره إلى جيل الآباء لأنه سلمهم الراية منكسرة فهل يخرج من بين جيل الشباب من يرفعون رايات الوطن والأمة؟ " انتهى
* عن الاتحاد

الأحد، 1 أغسطس 2010

كعكٌ على الرصيف - غسان كنفاني

أتكون محض مصادفة غربية إنني التقيت به, الآن, في نفس المكان الذي شاهدته فيه أول مرة؟
لقد كان مقرفصاً هناك؟ كأنه لم يزل كذلك حتى اليوم: بشعره الأسود الخشن, وعينيه اللامعتين ببريق رغبة يائسة, منكباً على صندوقه الخشبي يحدق إلى لمعان حذاء باذخ..لقد استطاعت صورته أن تحفر في عظم رأسي قبل عام واحد, حينما رأيته في تلك الزاوية بالذات, لا لشيء غير عادي, سوى أنني ـ أنا نفسي ـ كنت أحتل هذه الزاوية قبل عشر سنوات, حينما كانت المحنة على اشدها, وكانت طريقتي في مسح الأحذية تشابه طريقته إلى حد بعيد, كان الحذاء بالنسبة لي هو كل الكون:رأسه وكعبه قطبان باردان, وبين هذه القطبين كانت تتلخص دنياي.

وقبل عام, حين مررت به, قاءت شفتاه عرضا آلياً دون أن تنظر عيناه إلى الحذاء:
ـ أستطيع أن أحوله إلى مرآة، يا سيدي..
وبدافع من رغبة خاصة, تعوضني عن شهور طويلة من الأسى, ركزت قدما على حدبة الصندوق حيث تيسير لي أن أشاهد خطاً عريضاً من العرق يبلل ظهر قميصه الأزرق المتسخ, وكانت عضلات كتفه الضامرة الصغيرة تنقبض وتنبسط, وكان رأسه يهتز بانتظام..
ـ هذا حذاء رخيص..

لم أحس الإهانة على الإطلاق, فلقد كان شعوري حينما كنت أشاهد حذاء رخيصاً يشابه شعوره, لكني لم أكن اعبر عنه بهذه السذاجة, كان الحذاء الرخيص يشعرني باقتراب غامض بيني وبين العالم.. ورغم ذلك, فلقد رغبت في تغير الحديث..
ـ كم عمرك؟
ـ إحدى عشر سنة..
ـ فلسطيني؟

هز رأسه فوق الحذاء, دون أن يجيب, أحسست بأنه يخفي شعوراً بخجل صغير..
ـ أين تسكن
ـ في المخيم
ـ مع أبيك؟
ـ لا, مع أمي..
ـ أنت طالب أليس كذلك؟
ـ نعم.

ونقر بإبهامه على النعل, ثم طالعني بعينين صافيتين, باسطاً كفه الصغيرة تجاهي, وأحسست بخيط رفيع من الأسى في حنجرتي, وتنازعي شعوران حادان: هل أعطيه أجرته فحسب؟ أم أزيد عليها؟ كنت حينما أعطى اجري حسب استحقاقي أحس شرف عملي, ولكنني حين كنت أوهب هبة ما كنت اقبلها وشعور بالإهانة يتراكم فوق سعادتي في أنني كسبت اكثر...

لقد طواني المنعطف مبتعداً عن نظراته وهي تلسع ظهري ذلك أنني أعطيته استحقاقه فحسب...وحينما نظرت خلفي كان قد صرف نظره عني وتابع تحديقه إلى لأرض الشارع راغباً في اصطياد حذاء آخر..

ولكن صلتي "بحميد" لم تنته بانتهاء هذا المنظر.. فبعد أقل من شهر واحد عينت مدرساً في مدارس اللاجئين, وحين دخلت إلى الصف لأول مرة شاهدته جالساً في المقعد الأول.. كان شعره الأسود الخشن اقصر من ذي قبل, وكان قميصه المهترىء مجرد محاولة فاشلة لستر عريه.. وكانت عيونه مازالت تلتمع ببريق رغبة يائسة..

لقد سرني أنه لم يعرفني, ورغم أنه من الطبيعي أن ينسى ماسح الأحذية زبائنه العابرين فلقد كنت أخشى من كل قلبي أن يتذكرني, ولو فعل لكان وجودي في الصف حرجاً لا مهرب منه.. وطوال درسي الأول كنت أحاول عبثاً أن انتزع بصري عن وجهه المكتسي بتحفز مشوب بقلق صغير..لقد كان الصف كله مزيجاً من عدد كبير من أشباه حميد , صغار ينتظرون بفارغ الصبر صوت الجرس الأخير كي يشدوا أنفسهم إلى أزقة مترامية في مجاهل دمشق الكبيرة يصارعون الغروب من أجل أن يكسبوا العشاء.. كانوا ينتظرون الجرس بتوق جائع كي يتوزعوا تحت السماء الرمادية الباردة, كل منهم يمارس طريقته الخاصة في الحياة... وكانوا يعودون, إذ يهبط الليل إلى خيامهم أو إلى بيوت الطين حيث تتكدس العائلة صامتة طوال الليل إلا من أصوات السعال المخنوقة.. كنت أحس بأنني ادرس أطفالاً أكبر من أعمارهم.. أكبر بكثير, كل واحد منهم كان شرراً انبعث من إحتكاكه القاسي بالحياة القاسية.. وكانت عيونهم جميعهم تنوس في الصف كنوافذ صغيرة لعوالم مجهولة, ملونة بألوان قاتمة, وكانت شفاههم الرقيقة تنطبق بإحكام كأنها ترفض أن تنفرج خوف أن تنطلق شتائم لا حصر لها دون أن يستطيعوا ردها..كان الصف إذن عالماً صغيراً .. عالماً من بؤس مكوم لكنه بؤس بطل..

وكنت أحس بينهم بشيء من الغربة.. وأورثني هذا الإحساس رغبة جامحة في أن أحاول الوصول إلى قلوبهم قدر استطاعتي..

كان حميد طفلاً متوسط الذكاء, ولكنه لم يكن يدرس بالمرة.. وكنت أحاول باتصال أن ادفعه ليدرس ولكن هذا الدفع لم يكن يجدي..
-حميد, لا تقل لي انك تفتح كتابا في بيتك... انك لا تدرس على الإطلاق..
-نعم يا أستاذ
-لماذا لا تدرس ؟
-لأنني أشتغل..
-تشتغل حتى متى ؟

وتطل العيون الواسعة الحزينة فيما تأخذ الأصابع الصغيرة تدور باضطراب طاقية متسخة.. ثم يهمس صوت بائس:
-حتى منتصف الليل.. أستاذ.. إن الخارجين من دور السينما يشترون كعكي دائما إذا انتظرتهم..
-كعك؟ أنت تبيع كعكا ؟
ويرد صوته بخجل هامس:
_ نعم يا أستاذ.. كعك..
-لقد كنت أظن.. لا اذهب إلى مكانك.. اذهب!

وطوال تلك الليلة, كنت أتصور المسكين الصغير يدور حافيا في شوارع دمشق النظيفة ينتظر خروج رواد السينما.. كنا في تشرين, وكانت السماء تمطر في تلك الليلة.. وتصورته واقفا في زاوية ما راعشا كريشة في زوبعة.. ضاما كتفيه قدر جهده إلى بعضهما, وداسا كفيه في مزق ثوبه محدقا إلى صحن الكعك أمامه.. منتظرا شخصا ما يخرج من القاعة جائعا كي يشترى كعكة.. شخصين.. ثلاثة.. ويتسع فمه بابتسامة, يائسة ويحدق إلى ميازيب تشرين من جديد.

وفى اليوم التالي.. شاهدته في الصف, كان النعاس يأكل عيونه, وكانت رأسه تنحدر على حين فجأة إلى صدره, ثم ينهضها بعجز.
-أتريد أن تنام يا حميد ؟
-كلا يا أستاذ..
-إذا أردت أن تنام فلسوف آخذك إلى غرفة المدرسين..
-كلا يا أستاذ..

ولكنه كان يبدوا منهكا بصورة حادة, وهكذا, اقتدته إلى غرفة المدرسين, كانت غرفة عارية إلا من صورة رسمها مدرس الرسم الفاشل ببقايا ألوان الطلبة، وكانت المقاعد الثقيلة منثورة تحت الجدران الرطبة وحول مائدة صغيرة تكدست عليها أكوام الدفاتر والكتب, لقد وقف حميد في باب الغرفة, مستشعرا كما يبدوا إحساسا غريبا, كان قلقا بعض الشيء, وكانت طاقيته تدور بين أصابعه الصغيرة, وعيونه تتناوب التحديق إلي, والى الغرفة..

- نم على أي مقعد, سوف نضع حطبا في المدفأة.
تحرك بطيئا إلى المقعد القريب, وجلس فوقه نصف جلسة, فيما إلتمعت عيناه بسعادة الدفء.
-هل بعت كثيرا من الكعك ليلة أمس ؟
-ليس كثيرا..

كان في صوته رنة أسى عميق, وكان وجهه يرتجف:
-لماذا ؟
-نمت, نمت أثناء انتظاري انتهاء الفيلم, وحينما صحوت كان كل شئ قد انتهى.
-نم الآن, سوف أعود إلى الصف.

ولكنني لم أعرف كيف أتممت درسي, كنت أحس بقلق غريب, وكنت أخشى أن أنفجر بالبكاء أمام الطلبة.

وفى الفرصة كان حميد يغط في نوم عميق, وكان انفه الصغير مازال مزرقا من فعل البرد إلا أن الدم كان قد بدأ يرد إلى وجنتيه. لم يسأل أحد من الأساتذة أي سؤال, إذ أن حوادث كثيرة من هذا الطراز كانت تحدث كل يوم, واكتفى الجميع برشف الشاي صامتين.

وطوال الأيام التالية كنت ابحث عن طريقة ادخل فيها إلى حياة حميد دون أن يمسه فضولي, وكانت هذه العملية صعبة للغاية, إذ أن كل طالب في مدرسة النازحين كان يصر على الاحتفاظ بمأساته الخاصة, وضمها بعنف في صدره..كأنما كان هنالك شبه اتفاق مشترك على أن هذا واجب وضروري..

إن الأشياء الصغيرة, حينما تحدث في وقتها, يكون لها معنى اكبر منها, اقصد أن هنالك بداية صغيرة لكل حادث كبير..

ففي أحد الأيام آتى أخي الأصغر إلى المدرسة يحمل طعام الغداء لي, وحينما أعلمني خادم المدرسة بذلك, أرسلت حميدا إليه كي يأخذ منه أوعية الأكل. وعندما عاد حميد أحسست بأنه أهين بكيفية أو بأخرى, ولذلك طلبت منه أن يراجعني في غرفة المدرسين, أثناء فرصة الغداء.

دخل حميد غرفة المدرسين قلقا كالعادة, كنت وحيدا, ورغم ذلك فان قلقه لم يبارحه, كانت أصابعه تدور طاقيته باضطراب, وكانت عيونه تلتمع كعادتها..
ـ حميد, هل أعجبك أخي؟
ـ انه يشبه أخي..
لم اكن أتصور أن الموضوع سوف يطرق بهذه السرعة...ولذلك فلقد سألت متعجبا:
ـ أخوك؟ أنني اعرف أن لك أختين فحسب..
ـ نعم. ولكن أخي مات..
ـ مات؟..
أحسست باضطراب أنا الآخر, فهذا الصغير يضم صدره الضامر أسرار كبيرة..
ـ كان اصغر منك..ها؟
ـ كلا..اكبر مني..
ـ كيف مات؟
ولكن حميد لم يجب, وشاهدته يغالب دمعا غلبه في نهاية الأمر, وامتلأ وجهه الصغير بدمع غزير اخذ يمسحه خجلا بعض الشيء...
ـ حسنا..لا تتكلم ..أتعرف إن أخي أنا الأخر مات؟
ـ صحيح؟
ـ نعم.. لقد دهسته سيارة كبيرة..
كنت اكذب..ولكنني رغبت في أن أشارك أحزان الصغير بكيفية ما..وشعرت بان كذبتي أخذت طريقها السوي إلى رأسه إذ التمعت عيناه بأسى مفاجئ ومضى يحكي ببطء:
ـ أخي لم تدهسه سيارة...لقد كان يعمل خادما في الطابق الرابع..وكان سعيدا..
كان حميد يستخدم بذراعيه كي يوضح كلامه وكانت دموعه تنساب دون أن يشعر..
ـ لقد اطل في قفص المصعد فقطع المصعد رأسه وهو يهبط..
ـ مات؟

كان السؤال سخيفا, ورغم ذلك فلقد أحسست بضرورته من اجل أن أهدهد قشعريرة مفاجئة تكلبت في جسدي..وهز حميد راس ثم سال فجأة:
ـ هل قطعت السيارة راس أخيك؟
أخي؟آه..نعم..نعم لقد قطعت رأسه..
ـ هل حزنت عليه كثيرا؟
ـ نعم..
ـ هل تبكي عندما تتذكره؟
ـ ليس كثيرا...
ـ قل لي يا أستاذ... هل لك أب؟
ـ طبعا , اعني نعم, لماذا؟

خطا نحوي وسأل بلهفة راعشة:
ـ هل هو بخير؟
ـ نعم..لماذا؟..

تكهفت عيناه بأسى فاجع وشعرت بان للمأساة ذيولا تعصر رئتيه...ولكنني كنت على يقين بان حميد سوف لن يجيب على أي سؤال...لقد انطبقت شفتاه بإحكام مصر..ويمم عيناه شطر الحائط العاري...كان بنطاله قصيرا ممزقا وكان قميصه الأزرق متسخا مهترئا...وحين شاهدني أطالعه باستغراب لململم نفسه واحمر وجهه قليلا وازدادت سرعة الطاقية الصوفية الدوارة بين أصابعه.

لقد بدأت مشكلة حميد تدخل شيئا فشيئا فيما بعد, إلى حياتي.
كنت لا أستطيع على الإطلاق أن أكون عابرا في حياته, متفرجا إلى مأساته, ومن بين عشرات المآسي التي حفل بها صفي لم تجذبني إلا عيون حميد البائسة اليائسة..صرت أفكر فيه على الدوام.وكثيرا ما كنت اقرر أن أبدأ بنفسي, خارج المدرسة, بحثا متصلا حول حياة حميد..بل لقد فكرت يوما في أن ابحث عن طريقة تجعل أمر مساعدته ماليا شيئا طبيعيا لا يحمل رائحة الإهانة..ولكن كل شيء كان يدور مجهدا حوالي, وكان ينتهي إلى الفشل أمام العيون التي تحتوي, إلى جنب الأسى , شيئا كثيرا من الكبرياء والتعالي..

إلا أن علاقتي بقضية حميد أخذت تخفت شيئا فشيئا بعد سلسلة من الأحداث الصغيرة جعلتني احمل نقمة غريبة على هذا المخلوق الصغير, المقعد, المكوم فوق أسرار, لا تنتهي إلي لتبدأ, ولا تبدأ إلا لتستمر..فلقد حدث ذات يوم أن شكا إلي حميد أستاذا زميلا أهانه إهانة بالغة.ولقد قال حميد, يومها, وهو يحدق إلي مكشرا بعض الشيء:
ـ إنني يتيم...وإلا لكنت استدعيت أبى..
ـ هل..أبوك ميت؟..
قال بخجل وهو يطأطئ رأسه:
ـ نعم..
ـ لماذا لم تقل لي ذلك من قبل؟
لم يجيب حميد على سؤالي واكتفى بان هز رأسه باتصال., وصمت:
ـ أنت الذي تصرف على عائلتك إذن؟
ـ نعم..أنا الذي اصرف..أن أمي تكسب قليلا من تنظيف مخازن وكالة الغوث..ولكنني أنا اكسب اكثر..

وصمت حميد قليلا ثم اندفع قائلاً وهو يبسط كفيه الصغيرتين مستعينا بحركاتهما:
ـ إنني اشتري كل ثلاث كعكات بعشرة قروش..أبيع الكعكة الواحدة بخمسة قروش..
ـ أما زلت تنام وأنت تنتظر خروج رواد السينما؟..
ـ كلا..لقد تعودت السهر..


هل من الضروري أن يعترف المدرس, بين الفنية والأخرى, بأنه يلجا إلى الغش كي يعين طالبا مسكينا على النجاح؟.لقد كنت أنا افعل ذلك..كانت علامات حميد جيدة على الدوام رغم انه كان متوسط المستوى, لكني لم اشعر قط بعدالة علاماتي بقدر ما كنت اشعر هذه العدالة حينما كنت أسجل علامات حميد..


ولكن القضية لا تتحرج هنا على الإطلاق, لقد بدأت تتحرج فقط حينما أخذت اشك في سلوك هذا "الحميد" وفي كلامه لي, بل وفي دمعه أيضا..


وفي عصر يوم قائظ من أيام نهاية العام نقل ألي تلاميذ الصف أن خادم المدرسة ضرب حميدا ضربا قاسيا حينما كان يحاول عبور حاجز المدرسة هاربا, وحينما استدعيت الخادم إلى غرفة المدرسين كي أعاتبه وجدتني أواجه رجلا يتمتع بقناعة غريبة بأنه إنما فعل عين الصواب, ضاربا عرض الحائط بكل مفاهيم التربية النموذجية التي حاولت أن أوضحها له..حينذاك لم أجد بدا من أن أواجهه بمنطقه الخاص:

أليس حراما يا أبا سليم أن تضرب يتيما؟

جأر أبا سليم مادا رأسه تجاهي وقد عقد ذراعيه على صدره:

يتيم؟ إن أباه لوح, أكتافه تملا الدنيا..
حميد له أب؟
سألت متعجبا.. فيما أتاني نفس الجواب مكررا بصلف:

إن أباه لوح.. تملا أكتافه الدنيا..
أحسست بإهانة تصفع صدري..وساءني أن يكون الصغير قد بنى عطفي عليه فوق أكاذيب منحطة.. شعرت بأنني لم اكن سوى مغفل طيب القلب وان كل العلامات التي جعلتها تخطو من فوق ضميري بارتياح تضحك في وجهي الآن بشراسة..

وطوال الطريق إلى بيتي كانت كلمات أبى سليم تعرك رأسي ويدوي صداها في حنجرتي..وكنت احدث نفسي زاعما لها أن اؤلئك الملاعين الصغار هم في الحقيقة اكبر بكثير من أعمارهم وان الخطأ كان في أنني عاملتهم على انهم أطفال فحسب, لقد تغاضيت عن كونهم رجالا صغار يستطيعون الوصول إلى ما يريدون بأية طريقة تخطر على بالهم..وان لعبة حميد على أستاذه ليست في نظره سوى لعبة بائع كعك على زبون نصف سكران تنتهي بشراء كعكتين, أو كعكة بسعر كعكتين ..

ورغم هذا الكلام, فأنني لم استطع أن أتخلص من شعوري الحاد بأنني أهنت على يد حميد إهانة بالغة, وأخذ تفكيري يسير في الطريق الذي يؤدي إلى إيجاد انتقام ما..أنني اعتقد الآن بان القضية تافهة, وان تفكيري كان اتفه, ولكنني لم اكن أرضى لحظتذاك بأن أتنازل قيد أنملة واحدة عن حقي في أن امسح الإهانة..
ولكن الذي حدث فيما بعد لم يستطع أن يهدهد غضبي, بل على العكس, لقد زاده أواراً على أوار..واستشعرت بعدها ألما ممضاً يعتصر صدري بلا هوادة..فلقد قصّ علي طالب ثرثار كيف ماتت أم حميد قبل شهور طويلة بعد أن وضعت طفلة ميتة..

ووجدتني أغوص في دوامة من الأكاذيب كومها حولي هذا الحميد الصغير ببراعة لا تكاد تصدق...

أتت نهاية احتمالي في غداة يوم قائظ, كنت عائداً فيه من المدرسة فرأيته فجأة بعد غياب طويل..

أتكون محض مصادفة غريبة أنني التقيت به في نفس المكان الذي شاهدته فيه لأول مرة؟
كان مقرفصا هناك خلف صندوقه الخشبي الملوث بالدهان, يحدق إلى الشارع راغبا في اصطياد حذاء ما...فيما وقفت أنا نصف مصعوق أكاد لا اصدق أنني أرى بائع الكعك المزعوم, وأحسست بالإهانة تجترح حلقي, وحينما استطعت أن أميز ماذا كنت افعل وجدتني ممسكا بياقة الصغير أهزه بلا هوادة..وأفح باتصال:
ـ أيها الكذاب..
رفع الصغير عيونه أمامي مفتوحة حتى أقصاها, ممزوجا لمعانها بمعنى من معاني الخوف المفاجئ, ورأيت شفتيه تتحركان دون أن تستطيعا النطق بينما فشلت محاولته الصغيرة للخلاص من بين قبضتي..

وعدت اكرر وقد أحسست بشيء يهوي في صدري أمام الصمت اليائس:

-أيها الكذاب...
-
أستاذ..
قالها باسترخاء رافعاً إصبعه بصورة آلية ونظر حواليه باضطراب ثم اعترف راجفاً:

نعم يا أستاذ أنا كذاب, ولكن اسمع..
لا أريد أن اسمع شيئاً..

ضاقت عيونه وخيل إلى أن دمعة توشك أن تسقط وعاد صوته يرجف من جديد:
-اسمع يا أستاذ..
- آيها الكذاب...آنت تعيش مع أمك... فليس كذلك أيها الكذاب ؟
-كلا يا أستاذ..كلا..إن أمي ميتة ولكنني لا أستطيع أن أقول..فحينما ماتت أمي طلب والدي منا أن لا نقول شيئاً عن موتها..أن نصمت..
تراخت قبضتي وسالت بضعة:
- لماذا ؟
-لم يكن يملك أجرة الدفن...وكان خائفاً من الحكومة.. أسدلت ذراعي إلى جنبي؛ واستطعت آن التقط خوف الصغير الساذج الذي استمر حتى اليوم دون مبرر ولكنني خفت أن أكون مخدوعاً فعدت أصيح, ولكن بليونة أكثر...
-وأبوك؟ قلت لي أنه مات... أليس كذلك ؟
-لم يستطع حميد أن يتماسك أكثر فأدار وجهه إلى الحائط وأخذ يبكي فيما سمعت خلال نشيجه صوته الضعيف:
إنه لم يمت.... إنه مجنون يدور في الشارع نصف عار..لقد جن بعد أن شاهد رأس أخي يقطعه المصعد...
- جن؟
-نعم... لقد أطل أخي داخل قفص المصعد من أجل أن يستقبل أباه..وشاهد أبي المنظر بأم عينيه؛ فأخذ يعدو في الشارع..
قلت, مستشعراً الدوار يتكلب في صدغي:
- لماذا قلت لي أنك تبيع الكعك؟ هل تستحي من صنعتك ؟ لانت نظرات حميد , وحدق إلي بعيون شفافة قائلاً بخجل:
- لا.. لقد كنت أبيع كعكاً, وأول أمس عدت إلى هذه الصنعة..
- ولكنك كنت تكسب كثيراً ؟
-نعم, ولكن..
- وعاد الرأس الصغير ينوس كعادته كلما تعرض لخجل أكبر منه, ودق بالفرشاة على سطح الصندوق دقات منتظمة هامساً دون أن يرفع بصره..
- كنت أجوع آخر الليل...وكنت آكل كعكتين أو ثلاثة.
لم أدر كيف أتصرف, هممت أن أطلق ساقي للريح, ولكني وجدتني أضعف من أن أفعل.. وبقي الرأس الصغير بشعره الأسود الخشن منحنياً, ودون أن أحس رفعت قدمي وأركزتها على حدبة الصندوق..
بدأت الكفان الصغيرتان تعملان بحذق فيما أخذ الرأس الخشن يهتز فوق الحذاء, ثم وصلني الصوت إياه قائلاً ببساطة:
- أستاذ... أنت لم تغير حذاءك منذ عام... هذا حذاء رخيص.

الكويت 1959

توفيق زياد - هنا باقون

كأننا عشرون مستحيل

في اللد , والرملة , والجليل

هنا .. على صدوركم , باقون كالجدار

وفي حلوقكم

كقطعة الزجاج , كالصبار

وفي عيونكم

زوبعة من نار

هنا .. على صدوركم , باقون كالجدار

نجوع .. نعرى .. نتحدى

ننشد الأشعار

ونملأ الشوارع الغضاب بالمظاهرات

ونملأ السجون كبرياء

ونصنع الأطفال .. جيلا ثائرا .. وراء جيل

كأننا عشرون مستحيل

في اللد , والرملة , والجليل

إنا هنا باقون

فلتشربوا البحرا

نحرس ظل التين والزيتون

ونزرع الأفكار , كالخمير في العجين

برودة الجليد في أعصابنا

وفي قلوبنا جهنم حمرا

إذا عطشنا نعصر الصخرا

ونأكل التراب إن جعنا .. ولا نرحل

وبالدم الزكي لا نبخل .. لا نبخل .. لا نبخل

هنا .. لنا ماض .. وحاضر .. ومستقبل

كأننا عشرون مستحيل

في اللد , والرملة , والجليل

يا جذرنا الحي تشبث

واضربي في القاع يا أصول

أفضل أن يراجع المضطهد الحساب

من قبل أن ينفتل الدولاب

لكل فعل رد فعل:- ... إقرأوا

ما جاء في الكتاب